(زمرة الحكام العرب الحاليين هي النسخة الأردأ منذ ألف سنة) كتبت هذا الحكم الصارم في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وسط أهوال تجري تحت سمعنا وأمام أبصارنا. والأسوأ أن ذلك كله كان يحدث في كنف صمت الحكام المريب.
أعترف أنه كان حكمًا يعبّر عن خيبة عميقة، وربما عن شعور متراكم بالعجز أمام واقع سياسي عربي يبدو في كثير من جوانبه مأزومًا ومفككًا وعاجزًا وقليل الحيلة.
اليوم، حين ظهرت لي تلك العبارة في الذكريات، كانت أول ملاحظة أن زمن الألف سنة يحيل إلى مدى تاريخي طويل، يشمل عصورًا مختلفة، وفيه ما فيه من الانقسامات، والاستعمار، وحكام من العبيد.
ربما لا يمكن الجزم بذلك تاريخيًا، فالتاريخ العربي شهد طغاة ومصلحين، فترات ازدهار وانحدار.
لكن ما يميز الحالة الراهنة أننا أمام لحظة عربية تتسم بالانكشاف الكامل، لا بالانحدار فقط.
لا يمكن وصف زمرة الحكام الحاليين إلا بأنها تجسيد لانعدام المشروع، وانفصال السلطة عن الشعب، وتحلل البوصلة الأخلاقية من الخطاب السياسي.
لسنا أمام قادة، بل أمام مديري أزمات، يتعاملون مع الدولة كملف أمني، ومع الشعب كعبء ديموغرافي، ومع المستقبل كخطر يجب تأجيله.
الحاكم العربي اليوم لا يحلم. لا يطرح رؤية، ولا يبادر بمشروع. أقصى طموحه هو تثبيت الوضع، ولو كان مزريًا. لا توجد خطط تنموية حقيقية، ولا إصلاحات سياسية جذرية، ولا حتى خطاب يُقنع المواطن بأن هناك أفقًا.
كل شيء يُدار بمنطق "الحد الأدنى للبقاء"، وكأن السلطة أصبحت وظيفة إدارية لا أكثر، بلا روح، بلا خيال، بلا أمل في المستقبل.
لم تعد الشرعية تُستمد من الإنجاز أو من التفويض الشعبي، بل من شبكة مصالح دولية، ومن أدوات قمع محلية.
الحاكم لا يخاطب شعبه، بل يخاطب الخارج: المؤسسات المالية، القوى الكبرى، شركات السلاح.
الداخل يُدار بالترهيب أو التهميش، والخارج يُدار بالولاء أو الابتزاز.
لم تعد هناك صلة وجدانية أو رمزية بين الحاكم والمواطن، بل علاقة خوف وفهر أو لا مبالاة.
تحوّل الإعلام الرسمي إلى آلة تبرير، لا مساءلة. يُعاد إنتاج الخطاب السلطوي بلغة عفا عليها الزمن، تدمن شيطنة المعارضة، وتُجمّل الفشل، وتُحوّل الكارثة إلى إنجاز. تغرق المواطن في تفاصيل تافهة، بينما تُدار الملفات الكبرى في غرف مغلقة، بلا شفافية ولا نقاش.
لا يشعر المواطن العربي اليوم أن له صوتًا أو وزنًا. الانتخابات شكلية، الأحزاب مُدجّنة، والنقابات مُخترقة. حتى المثقف، الذي كان يومًا ضمير الأمة، أصبح إما مُهمّشًا أو مُستقطبًا. لم تعد هناك وسائط حقيقية بين الشعب والسلطة، بل جدار عازل من القهر.
المواطن يُطلب منه الصبر، لكنه لا يُمنح أي أفق للكرامة أو المشاركة.
أسوأ ما في هذه الزمرة أنها لا تطرح قضية تُلهم الناس أو تُحرّكهم. لا تتحدث عن العدالة، ولا عن الكرامة، ولا عن التحرر. حتى مفردات الخطاب أصبحت خاوية: "التنمية"، "الاستقرار"، "الوطنية" تُستخدم كأقنعة لتبرير القمع أو الفشل.
لم يعد هناك محتوى يُحرّك الوجدان، ولا رؤية تُشعل الخيال، بل مجرد إدارة للركود.
لكل ذلك، ولهذه الأسباب وغيرها كثير، فإن زمرة الحكام العرب الحاليين هي النسخة الأردأ في العصر الحديث.
----------------------
بقلم: محمد حماد